سي محند أو محند ... شاعر الأمازيغ ... الحكيم المنسي ...
الكثير منا لا يعرف هذا الشاعر الكبير ، الذي تلخّص حياته روح شعبنا ووقوفه في وجه المستعمر الفرنسي ، ومعاناته وكفاحه من أجل الحفاظ على هويته ... الشاعر الذي قال يوما الأبيات الخالدة :
ڨولّغ سڨ تيزي وزّو ... أقسمت من تيزي وزّو
أرمي ذ اكفادو ... حتّى أكفادو
أور حكيمن ذڨ اكن لّان ... لن يحكمنا أحد منهم
أنرّز و لا نكنو ... ننكسر و لا ننحني
أخير دعوسّو ... اللعنة أفضل
أندا تقوّيدن شّيفان ... من المكوث أين يتذلّلون للقيّاد
ذ لغوربا ثورا ذڨ قرّو ... الغربة الآن في رأسي
ڨولّغ أر ننفو ... أقسمت أن نهجر
ولا لعقوبا ڨار ييلفان !! ... ولا أن تكون العاقبة بين الخنازير
ولد الشاعر بين سنتي 1840 و 1845 بقرية إيشرعيون ، وسط عرش آث إيراثن التاريخي ، بأعالي جبال جرجرة ، إسمه الكامل هو محند أومحند ناث حمادوش ، ترعرع وسط عائلة محافظة نبيلة ، حفظ القرآن في صغره بزاوية القرية ، لكن المنطقة سرعان ما عرفت قدوم جيوش المستعمر الفرنسي ، بقيادة الجنرال السفاح راندون ، الذي قرّر قمع مقاومة البطلين شريف بوبغلة ولالا فاطمة نسومر بجبال جرجرة ، في سنة 1857 وبعد معركة إشرّيدن الخالدة قرّر الفرنسيون بناء مركز استيطان في قلب جبال جرجرة ، لمراقبة أعراش منطقة القبائل الثائرة ، فوقع اختيارهم على قرية إشرعيون التي ولد بها الشاعر سي محند أو محند ... التي دمّرت عن آخرها ، ونفي أهلها الذين نجوا من مذابح الفرنسيين نحو منطقة تيزي راشد ، في مكان القرية بنى الفرنسيون ما سمّوه : الحصن الوطني (Fort National) ، أي بلدية لاربعا ناث إيراثن الحالية ... منطقة قدّمت الكثير لبلدنا منذ آلاف السنين ...
في تيزي راشد ، أين سمّى النازحون قريتهم الجديدة باسم قريتهم الأصلية : إشرعيون، واصل سي محند أومحند طلبه للعلم الشرعي، ثم رحلت عائلته واستقرت بمدينة أقبو ( ولاية بجاية ) ، أين أسس عمّه الشيخ أرزقي ناث حمادوش زاوية لتحفيظ القرآن ، ثم انتقل لزاوية الشيخ عبد الرحمن الإيلولي بجبال عين الحمام ( عرش آيث منڨلات ) ، اشتهر سي محند بقول الشعر مستغلّا فصاحته لحثّ السكان على مقاومة المستعمر الفرنسي و التمسك بهويتهم ودينهم ، في سنة 1871 إندلعت الثورة بمنطقة القبائل مجددا بقيادة البطلين باشاغا محمد المقراني والشيخ أحدّاد ، وانضمّت عائلة سي محند مجددا إلى المقاومة بكل أفرادها ، اعتقل الفرنسيون سي محند أو محند الذي تعرّض للتعذيب ، و قاموا بإعدام والده محند أمزيان ، نفي عمّه الشيخ أرزقي إلى كاليدونيا الجديدة وأبيدت عائلته و ذويه، باستثناء أخيه أكلي الذي استطاع الفرار إلى تونس ... أثّرت هذه المآسي كثيرا في نفسية الشاعر الذي قرّر الهجرة، وأقسم، حسب الأسطورة، أن يقول في كل يوم شعرا جديدا مختلفا عن الآخرين ...
بعد إبادة كل عائلته وجد سي محند نفسه وحيدا ... فبدأت حياة البؤس و التشرّد ... حياة قضاها الشاعر في التنقل والترحال بين مختلف قرى منطقة القبائل وعدة مناطق من الوطن ... حتّى لقب بالثائر المتجوّل ... زار سي محند أو محند عنابة والعاصمة والبليدة وبرج منايل وتادمايت وحتى تونس ... مشيا على الأقدام، كان يمشي و يقول الشعر: تارة يحرّض الجزائريين على المقاومة، وتارة يتحسر على الماضي، و تارة يتكلم عن الحب، عن الوطن، عن القيم والأعراف، عن حالته النفسية التي تدهورت كثيرا .. مما جعلته يدمن على التدخين وحتى شرب الخمر حسب بعض الشهادات ..
رحلات انتهت بعودته إلى أرض أجداده بأعالي جبال جرجرة، أين التقى شيخ منطقة القبائل الشيخ محند أو لحسين (جد البطل حسين آيت أحمد رحمه الله) و جرت بينهما مناظرة شهيرة ... توفي سي محند أو محند يوم 28 ديسمبر 1906 (أو 1905 حسب مصادر أخرى) بمنطقة عين الحمام، و دفن كما كان يتمنى، بمقبرة سيدي سعيد أو طالب التي يدفن فيها حفظة القرآن الكريم، كما يسميها أهل المنطقة اليوم: أسقّيف ن طمانا (سدّة الهناء) ... بعد أكثر من 60 سنة من المقاومة والمحن والبؤس والترحال والتجارب ... 60 سنة قال فيها مئات وربما آلاف الأبيات الشعرية التي سمّيت إسفرا (الأشعار بالأمازيغية، مفردها أسفرو) ... للأسف اندثر الكثير منها ، أشعار حافظت عليها الذاكرة الشعبية، وقام بجمعها العديد من الكتاب والمثقفين المشهورين مثل : اعمر بوليفة سنة 1904، مولود فرعون سنة 1960، مولود معمري سنة 1969، ومحند أورمضان لعراب سنة 1997 ... أشعار رائعة تتضمن مواضيع مختلفة وأفكارا عميقة ، وكأنه يتكلم عن زمننا هذا، إليكم مقتطفات مترجمة منها (الترجمة شخصية تقريبية)، لاحظوا كثرة استعماله للألفاظ العربية، لمراعاة القافية و سهولة الحفظ، و كذلك استعماله لألفاظ أمازيغية قديمة جدا ... للإشارة فإن كل كلام الشاعر عبارة عن معاني وكنايات ... كما كان حال أجدادنا :
سبحانك ألواحد لاحذ ... سبحانك أيها الواحد الأحد
ذلواجب أك نحمذ ... واجب أن نحمدك
تفكيذ لقدرة ، نصبر اس ...أعطيت القوة ، صبرنا على ذلك
زيك مي زهر يسڨّماذ ... قديما عندما كان الحظ قويما
لهاغ ذوجوّاذ ... كنت مرتّلا بارعا ( للقرآن )
كل حرف س ليباراس ... أعطي لكل حرف حقه
ثورا إيمي نتّاخذ ... الآن عندما أصبحت متدهورا
غف لحرام نعمذ ... ذهبت إلى الحرام برغبتي
سنغ أبريذ خظيغ اس ... أعرف الطريق و جانبته
أقلاغ ڨ لقرن ربعطاش ... إننا في القرن الرابع عشر
يكفا ويس تلطّاش ... و انتهى رقم ثلاثة عشر
ألحاذق افهم تحسّيس ... أيها الفطن إفهم و اسمع
يربح وذيلّان ذامعّاش ... فاز من كان غريبا ( اعتزل الدنيا)
لا يهدّر سطّاش ... من يتكلّم بحدّة ( صاحب المبدأ)
ذ لاصل يغبا يسميس ... أما الشرف فغرق اسمه ( غُيّب )
قولن غار زنا بوارّاش ... تحوّلوا إلى زنا الأطفال
يكفا الدين أولاش ... إنتهى الدين و اندثر
شبان ثدما سترييس ... تشبّهوا بالغزلان ( البنات ) في التبرج
تكّا فلّي لغلابا ... سيطر عليّ البؤس
سي ثمورث ن بابا ... من بلد أبي
رولن لعيباد إييسنن ... ذهب الناس الذين يعرفونني
نفيغ ذ غر ثمورث لغربا ... نفيت إلى بلد الغربة
ما تسروم أ طّلبا ... هلّا بكيتم أيها الطلبة ( حفظة القرآن)
لعقول يسّنتقيظن ... أصحاب العقول الحكيمة
أتا ووليو يتسنهذيث ... قلبي يتنهّد
يڨّول أور يحنيث ... يحلف ولا يحنث
أور زديغ إيشرعيون ... لن أسكن أبدا إشرعيون ( قريته )
أسمي يلّا زمان إ تللّيث ... عندما كانت فترة الشباب
مكل أزنيق نوغيث ... كنا نكسب في كل مكان
لهدور ايو تعدّاين ... وكلماتي كانت مسموعة
ما ثورا تطفيّي دونيث ... الآن و قد أمسكت بي الدنيا
لمحاين ايو أوڨتيث ... و أغرقتني المحن
إعرقاي زهو ذاين ... ظلّ الفرح طريقي إلى الأبد
أكرا إيتعسّان لفجر ... يا من تتعهّدون الفجر (تحافظون عليه)
س تزاليت ذ دّكر ... بالصلاة و الذكر
أعيانت اي أبريذ أنترّغ ... أعيتني الطريق أغيثوني
أفاظ ايو يتّوعمّر ... جوفي قد امتلأ
س شّرب ذ لخمر ... من الشرب و الخمر ( كناية عن الخطايا)
أور دّيرغ أور مّوثغ ... لم أعش و لم أمت
أطاس أي أنصبر ... صبرنا كثيرا
ربعا سنين ذ كثر ... أربع سنوات أو أكثر
نتسبّع لغربة تفلّساغ...إتّبعنا الغربة فأفلستنا (كناية عن الدنيا)
أمالاه أ كرا نكرّر ... واحسرتاه على كثرة مراجعتنا( للقرآن)
إيروح ذڨيغزر ...ذهب إلى الواد (يعني أصبح من الماضي)
أولا ذ لحمد إعرقاغ ... حتى الحمد نسيناه(يعني ذهب الدّين)
كما كان للشاعر العديد من الأشعار في الغزل، و الكثير منها نسبت إليه و لم يقلها، سي محند أو محند الشاعر المجاهد الحكيم، الذي يعتبر من آخر كبار الشعراء الذين أنجبتهم أرضنا ... شعراء كانوا شهداء على واقع مرير، على تاريخ شعب، نقلوه لنا عبر تجاربهم الشخصية، كما نقلوا لنا قيم شعبنا و مبادءه ... وكانوا في نفس الوقت حكماء تنبّؤوا بما ستؤول إليه أمور مجتمعنا ... من سيدي لخضر بن خلوف المغراوي الزناتي، إلى مفدي زكريا المزابي ... إلى عيسى الجرموني الحركاتي الشاوي ... إلى سيدي عبد الرحمن المجذوب الآزمّوري الدكّالي ... إلى عبد الله بن كريو لغواطي المغراوي، إلى عبد القادر الخالدي الحشمي الزناتي ... شعراء نأمل أن يتم جمع تراثهم و تنقيحه و التعريف به ... كي لا ننسى ...
الصورة يقال أنها لسي موح أومحند ، لكنها ليست موثقة |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق