الجزائر والأمة العربية

ظهرت مؤخرا كائنات قديمة متجدّدة لتعزف على وتر حسبته تمزّق واندثر، وتر من أوتار الاستدمار البغيض، ألا وهو وتر الهويّة العربيّة للجزائر. وهنا ينبغي التّنويه إلى حقائق مهمة تغفل عنها هذه الكائنات أو تتغافل عنها عمدا:
الحقيقة الأولى تتعلّق بالانتماء للأمّة العربيّة بين الحقيقة اللّغويّة والاصطلاح الحضاري. وهنا نقول أن الحقيقة اللّغويّة المبنيّة على العرق والنّسب إلى قبائل العرب الأولى لم يقل بها أحد لا قديما ولا حديثا. فالنّسب الجزائري متمازج بين العرب بقبائلهم وتمازجاتهم  والأمازيغ بقبائلهم وتمازجاتهم أيضا ما ولّد الشّعب الجزائري الذي نعرفه. أمّا الانتماء الحضاري الّذي تُتَوِّجُه اللّغة كلغة للموروث والتّاريخ والتّواصل والعلوم وقبل ذلك للدّين والشّريعة فهذا هو المقصود وهذا الّذي لم ينكره أمازيغيّ قبل حلول اللّعنة الفرنسيّة على هذا البلد. فعلماء البلد وعوامّهم حفظوا القرآن العربي، وألّفوا المؤلّفات بالعربية وحافظوا على اللّغة العربيّة بجانب لغتهم الأصيلة.
الحقيقة الثّانية تتعلّق بالتّعاطي الفريد لهذه الكائنات مع قضية الهويّة محاولين خلق أمّة جزائريّة منفصلة تمام الانفصال عن تاريخها وجذورها العربيّة والإسلاميّة، ماحين بذلك أحقابا من تاريخها وتراثها. وهم مع ذلك يزجون بها ضمن انتماءات ممسوخة للأمّة الاشتراكية العالميّة تارة وللأمّة الفرنكوفونيّة تحت شعار الثّقافة والفنون تارة أخرى.
الحقيقة الثّالثة هي هذا الاختيار المدروس لتوقيت الشّطح، ففي وقت تُرفع فيه لافتات أبناء باديس والدّعوة لقطع الحبل السّري مع فرنسا لاسترداد الهويّة الحقيقية للبلاد، نجد هذه الخرجات الّتي لا ينبني عليها عمل فعلي أو تأثير عملي إلاّ إثارة نقاش حسمه التّاريخ والواقع منذ زمن بعيد.