مسجد أم مستشفى ؟

كلّما ذُكر اسم مسجد الجزائر الأعظم أو نُشرت صورة له، إلّا وانبرت ألسنةٌ بكلام مكرّر يعيد نفسه في كلّ مرّة: أليس بُطون جَوعَى المسلمين أولى بهذه الأموال؟ لقد بنوا مسجدا للفقراء ليدعوا ربّهم بدل أن يعطوهم المال ليخرجوا من فقرهم! أليس الأولى بناء مستشفى عوض هذا المسجد؟
والحقّ أن جزءا من هذا الكلام صحيح.. فالمسجد كلّف أكثر ممّا يستحق ليس لعيب فيه أو في فكرته وإنّما لسوء التّسيير والفساد الذي ينخر عظم مجتمعنا ويحيط به من كلّ جانب، كما أنّ المستشفيات التّي بُنيت أيضا كلّفت أكثر ممّا تستحق.. وكذلك الجامعات.. وكذلك السّكنات والمدراس ومقرّات الإدارات والهيئات والشّركات.. نعم! إنّه الفساد يا سادة وليس المسجد..
فلقد نسي البعض من المغرّر بهم في هذه الأقوال وتناسى المُغَرِّرُون أنّ تركيا التّي يضرب بها المثل دائما في بناء أكبر مستشفى عوض أكبر مسجد.. هي نفسها الّتي بنت أكبر مسجد فيها أيضا.. لأنّ المسجد والمستشفى لا يتنافيان.. فما الضّير في بناء المستشفى وبناء المسجد إذا كانت الميزانيّة تسمح.. وصدّقوني، هي أكثر ممّا تسمح بكثير...
وأعجب أكثر كلّ العجب ممّن يحمل همّ الدّعوة ويدافع عن الهويّة وهو ينتقد بناء الجامع الأعظم بحجة التّبذير، ولا يرف له جفن لبناء الملاعب والمسارح والمقرّات الشّركات الفارهة للدّولة.. فهو يرى فيها فخامة وبريستيجا وصورة للمدينة والمدنية والدّولة والوطن!؟ أوليس للوطن وجه دينيّ وإسلاميّ أيضا يجب إظهاره؟ أوليس للمدينة فخر وبريستيج عندما يرى الدّاخل إليها برّا أو بحرا أو جوّا صرحا تَعَبُّدِيّا إسلاميّا؟؟
لست أبرّر في هذا المقال فسادا أو اختلاسا أو بذخا أيّا كان نوعه أو وجهه، ولكنّي أرى أنّه من النّفاق المُبَطَّن بكره المعلم الدّيني اختصار فساد الدّولة وانحراف المجتمع في بناء مسجد وهو ضمن مساجد قليلة معدودة بنتها الدّولة، والتّرفع عن ذكر المناكر في باقي البناءات والإنجازات والصّروح..
وأودّ الإشارة ختاما إلى أنّ مشكل الصّحة في بلادنا لن يتغيّر حتّى لو ضُخّّت في القطاع أضعاف المبالغ التي صرفت على المسجد الأعظم.. لأنّ الأزمة لم تكن يوما أزمة مال، إنّما أزمة أخلاق وتربية، أخلاق الطّبيب والمُمرِّض والمدير والمريض أيضا.. ولو فصّلنا في الأمر لخرجنا عن الموضوع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق