رمز الدولة الجزائرية المعاصرة: الأمير عبد القادر.

الأمير عبد القادر الجزائري
هو مؤسّس الدّولة الجزائريّة الحديثة، رأس الجهاد ضد المستعمر وروح المقاومة التي ابعتثت في الثّورات والحركات الوطنيّة حتّى تُوّجت بالاستقلال.. إنّه الأمير عبد القادر، وهذا نذر من سيرته الذّاتية..

هو عبد القادر ناصر الدين، الابن الرابع لعبد القادر محي الدين، ولد شهر مار من عام 1807 في قرية القيطنة على ضفة وادي الحمام في منطقة اغريس (معسكر).
أديبا وشاعرا إلى جانب تمكنه من فنون الفروسية والقتال والحرب، متمكنا من فنون عصره وآدباه وعلومه، جامعا ومحافظا على تقاليد قومه وأعراف بلده، ذو حمية وغيرة وأنفة على دينه وعرضه وأرضه.
شب الأمير عبد القادر والأتراك في مرحلة الضعف. والأمراء في كل الدول في مرحلة الضعف ذوو ريبة وغلظة وجفاء، يسومون الأهالي مر الاستبداد والقهر. فنفر منهم الأمير الشاب إلى أعراف القبيلة وحمية العرب. ومع سقوط الأتراك ورحيلهم عن البلد، ودخول الفرنجة لأرض الجزائر الطاهرة، تلاشت صورة الدولة وجميع أواصر النظام، وعاد الأعراب إلى بدائية الغزو والسلب والنهب ولم يسلم منهم حتى إخوانهم الذين شردهم الغزاة. وانقسمت القبائل بين متفرج على الأوضاع، ونائم غافل عن الخطر، وحتى متعاون مع المحتل.
في هذه الظروف الفوضوية العصيبة، أبان الدهر عن مجدد جمع الله له أسباب القيادة والحكمة والرشد، فبايع أهل معسكر الأمير عبد القادر على السمع والطاعة لعلمهم بأن أمر الدنيا لا يستقيم من غير سلطان، ولتوسمهم الصلاح والقوة في شخص الشاب العالم.
توسعت البيعة بأمر الأمير وللأمير، فراح يحارب على جبهات تنوء بها الجبال، جبهة المستعمر الغازي بقوة ومال ليس له ند آنذاك، جبهة المجتمع القبلي الذي يأبى النظام ولم يخضع للأتراك إلا قهرا وغلبة، وجبهة الشيوخ والزعماء الذين استعبدوا عقول قومهم فراح كل واحد منهم يطلب الزعامة وهو أبعد ما يكون عنها أهلية وأحقية، فإذا استيقن بعدها باستحالة مطلبه مالأ العدو على الأمير المؤمن المسلم.
شيد الأمير عاصمة عصرية بها حكومة ودواوين، وشرع القوانين، وفرض الضرائب وأقام الحدود، وأرسل السفراء وأقام دولة تحاور الدولة الغازية، وفرض عليها الإقرار بالكيان الوطني، وجعل من الجزائر علما في العصر الحديث.
ناور الأمير وحارب، وهادن وهاجم، ولكن الفترة لم تكن أوانا للنصر، وأقصى ما كان ممكنا هو تعطيل المحتل مراحل عن الغزو الكامل. لكن الأمير ذهب لأكثر من ذلك، لقد ذاذ عن الكيان الوطني، وأقام الدولة التي ستتحرر بعد قرن من ذلك، وحمى القيم المجتمعية التي ستلفظ كل محاولات التغريب، ومهد لثورات ستقض مضجع المحتل، ثم رحل عن الوطن ليعود جثمانه بعد أكثر من قرن من الزمان.
لقد كان الأمير أديبا وشاعرا وفقيها وحكيما، فلا غرابة في أن تتنازعه التيارات والمذاهب كل يدعوه لنفسه، فكان حيثما حل متصدرا للمجالس مدافعا عن الفكر القويم والحجة السليمة والقضية العادلة ولو كانت لغير المسلمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق