عندما تكون السّنة الميلادية مجرّد سنة إدارية تُجرد في نهايتها المخازن والمستودعات، وتُقفل الدّفاتر وتُراجع، وتُدقّق فيها الحسابات وتُصحّح، فإنّها وسيلة من وسائل العمل وأداة لتحقيق أهداف التّخطيط والتّنظيم والتّسيير. أمّا وقد تحوّلت لمناسبة للمعايدة والاحتفال، فهذا شيء آخر!
الإحتفاء بيوم ينبغي أن يكون لقيمة مضافة لهذا اليوم في الحياة الخاصّة أو العامّة، قيمة مادّية أو معنوية. مثال ذلك احتفالنا بأعياد ميلادنا لأنّها تذكّرنا بقدومنا لهذا العالم وأن أعمارنا تنقص مثلا، واحتفالنا بأعياد النّصر والنّكسة لأنّها تذكرنا بمحطات وعبر في تاريخنا، واحتفالنا بأعيادنا الدّينيّة لأنّها تقرّبنا إلى الله وتذكّرنا بعبوديّتنا له. فما هي القيمة المضافة في رأس السّنة الميلادية؟
لو كان إنتاجنا وفيرا، واقتصادنا رابحا، وعلمنا غزيرا، وحصادنا جزيلا، لأخذنا الاحتفال من باب نشوة النّصر ومباهاة النّاس بإنجازاتنا للعام الماضي. أما والعكس هو الصّحيح، فبم نحتفل في رأس السّنة؟ بخيباتنا المتتالية أم بإخفاقاتنا وتذيُّلِنا للتّرتيب في العلوم والتّربية والصّناعة والزّراعة والملاحة وكلّ شيء تقريبا.. إلّا حوادث المرور والرّشوة والفساد وسوء الأخلاق؟
إنّ الغرض الوحيد من انتشار التّهاني وبطاقات المعايدة في رأس السّنة الميلادية هو تطعيم رُزنامة الأعياد بمزيد من أعياد النّصارى والكفّار حتى تضيع أعيادنا وأيّامنا في خضمّ الأعياد العالمية. إنّها عولمة الوطن ياسادة، فحتّى ثقافتنا وتاريخنا وأيّام عزنا تذوب في ثقافة العالم التي ترسمها الدّول الكبرى بثقافتها الهجينة بين المسيحية والصهيونية والوثنية.
فبعد أن يئس الاستدمار من خلعنا عن أعيادنا وتاريخنا، ها هو يخلط معها ثقافته اللّقيطة حتى نتيه بيننا وبينه فيسهل انقيادنا إليه. إنّه البيع بالتقسيط لمقوّمات هوّيتنا. نرى ذلك في المنقّبات والمحجّبات يتبادلن القبل والتّهاني في رأس السّنة الميلادية، وفي الملتحين يتبادلون الأماني بالعام الجديد وهم خارجون من المساجد والمصلّيات، ولن أتعجّب إن فعلوا ذلك بعد أعوام في عيد ميلاد المسيح على زعم النّصارى..
إنّ الأعياد والمواسم من معالم البلاد، وهي حدود الثّقافة وحماها، ومتى فرّطنا فيها أو أدخلنا فيها ما ليس منها، فقد غيرنا معالم ثقافتنا وخدشنا من هويتنا وأصالتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق