مسائل النّقاش حول الهويّة: جوهر أو عرض؟

الهويّة الوطنيّة هي من أعقد ما يواجه النّخبة في مرحلة بناء الدّولة. ونحن إذ نتحدّث عن دولة فتيّة كالجزائر المعاصرة، نجد أنّ الهويّة تتجاذبها مشاهدات متباينة لابدّ من وضعها في إطارها الصّحيح قبل الحكم على أصحابها.
فمن جهة، نجد أن الكلّ يتحدّث عن حسم موضوع الهويّة وإجماع الأمّة على معالم هذه الهويّة وحدودها. وكلّ تيّار أو مدرسة تسترسل في تعداد هذه المعالم وتلك الحدود بعنف وقسوة توهمك أنّ المشكّك فيها إنّما هو خائن للوطن عميل لأعداءه إن لم يكن هو العدوّ نفسه!
ومن جهة أخرى، نتسابق جميعا للتّنظير وتأطير الحوار العامّ والخاصّ حول الهويّة الجزائريّة والتّعريف بها لأبناء هذا الوطن في تناقض صارخ مع زعمنا أنّ الهويّة محسومة، إذ كيف يجهل أبناء الوطن أو يخوضون في نقاش حول مسألة محسومة.
وعلى طرف آخر، قد يُردُّ على هذا التّباين بأنّ قضيّة الهويّة محسومة بالفعل، ولكنّ التّداخلات الثّقافيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة مع الجوار المحلّي والدّولي أدخلت بعض الضّبابيّة والتذبذب إلى بعض إسقاطات الهويّة على السّلوكيات الفرديّة والجمعيّة، فكان لابدّ من الحسم والتّأصيل والتّصحيح لجملة من المفاهيم والأفكار المتعلقة بالهويّة في جوانبها التّطبيقيّة خاصّة.
والحقيقة أن المتتبّع لما يحدث في مجتمعنا يلاحظ أن التّجاذبات الفكريّة بإسقاطاتها السّلوكية تتعدّى مجرّد التّعقيب على تداخلات تفاعليّة أو جدل حول أفكار جانبيّة، بل تخُوض في مسائل جوهريّة ينبني عليها تحديد اتّجاهات وانتماءات. فالهوية في مجتمع ما تُحدّد انتماءه إلى جماعات إقليميّة ودوليّة، وانتاماءاته إلى حضارات ومعسكرات تاريخيّة، وتُحدّد اتّجاهاته في تبنّي القضايا السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والفكريّة. وإذا كان النّقاش حول الهويّة يؤثر على هذه العناصر الهامّة المُهمّة فهو نقاش في الجوهر لا في العرض.
يُتبع..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق