مسألة الهويّة بين ادّعاء الحسم ووهم التّأسيس

من هنا ينطلق البعض إلى ضرورة التّأسيس للهويّة من باب تحديد معالمها وحدودها. وهذا كلام خطير لأنّ لازمه قذف وباطنه تشويه! فالحديث عن التّأسيس للهويّة يعني أنّنا استوطنّا هذه الأرض لقرون بالية على غير هدى ولا وعي ولا رشاد كالبهائم أو أشدّ؟  بل وكأنّ القائل بهذا القول يجعلنا مجتمعا لقيطا تولّد عن غير رغبة؟ وإذا كان الحال غير ذلك، فالتّأسيس معناه عدم صلاح هويّتنا الحاليّة أو مخالفتها للمعايير فوجب تبديلها، وهنا يجب على صاحب هذه الفكرة أن ينير عقولنا بماهيّة المعايير التّي على أساسها نقبل هويّة ما ونرفض أخرى؟ ونحكم على هويّة ما بالصّلاح وأخرى بالفساد؟
وإذا كان الواقع والحمد لله بعيدا عن الطّرح الأول، اللهم إلّا نذر يسير من أصحاب العقول المريضة والنّفوس الدّنيئة الشاذّة التي لا يلتفت إليها بحال، فإنّ الطّرح الثّاني يحاول فرض نفسه من أبواب عديدة نذكر منها:
الباب الأوّل أنّ هويّتنا الأصيلة قد طمست بفعل الغزوات المتتالية على هذه الأرض من باقي الحضارات ولحقها من الشّوائب والأدران ما أعيا المصلحين فوجب التّأسيس للجديد استمداد من القديم.
الباب الثّاني أنّ هزيمتنا الحضاريّة جعلت بعضا منّا يتنصّل من هويّته محاولا تقليد المنتصر فأدخل في هويّتنا ما ليس منها مع استحالة التّصحيح والتّذكير والتّنقيح لأنّ إقناع المهزوم بصلاح حاله وفساد حال المنتصر ضرب من الجنون.
يتبع...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق