تشويه المعلم الديني في الجزائر.. الزاوية مثالا

إنّ المعلم الديني القويم السليم هو ركيزة البناء المجتمعي، وأداة الإصلاح الأولى. والتّعريف بهذا المعلم والتحلّق حوله مسؤولية الجميع دون استثناء. فالجيل الحالي كاد ينسلخ كليّا من دينه، وصار الدّين عنده طقوسا مقزّزة ومنفّرة تارة، وتهريجا ورقصا تارة أخرى. فالشابّ الجزائري اليوم، إذا أراد الالتزام، حمَّل أناشيدا على هاتفه، ولبس عباءة خضراء أو صفراء، وكفى؟! في حين أن التزامه كان يجب أن يبدأ بالفكرة، ثم البحث، ثم التّعلم الذي لا يتلوه شيء إلا التّعلم. لكن انحراف مفهوم التديّن من الحقيقة إلى الصّورة، جعل غاية الملتزم عَرَّاقِيَّة سوداء، وعباءة حمراء، ودمعتين أمام النّاس. والله المستعان.
ولتحطيم المعلم الديني في هذه البلاد أكثر وأكثر، وتحويله من مقوم إلى واجهة بألوان قوس قزح، تولت الآلة الإعلاميّة تسليط كلّ الأضواء على ممارساتٍ هي إفرازاتٌ مرضية جانبيّة للمجتمع، وتجميلها وتنميقها وتصويرها على أنّها هي الإسلام، وهي المعلم الديني للبلاد. وفي مقابل ذلك، أقصت هذه الآلة وطمست المعلم الدّيني الحقيقيّ الصحيح القائم على العلم والعقل والفكر والممارسة.
صوّرت لنا الأرمادة الإعلامية الغربية وأذنابها هنا أن الدّين هو أشباه الزّوايا، عبدة القبور، أصحاب الحضرات المختلطة الماجنة، آكلوا السّكاكين والماشون على الجمر، الراقصون على أبواب الفنادق وأمام مواكب القيّاد والفسّاق، وهم غالبهم لا يصلّي ولا يعرف إلى الله طريقا. وهي بذلك تسهّل على نفسها المهمّة إذا أرادت إقصاء هذا المكوّن المجتمعي والنّفسي من دائرة الحضارة والفكر. كيف لا، وهو عندها مجرّد فلكور وعبث تسيّره وزارة الثّقافة، من باب التّرفيه كأيّ سيرك أو مهرجان للتّهريج.
في حين أن الزّوايا الأصيلة، من خرّجت العلماء والأدباء، وذاذت عن بيضة الإسلام في هذه الأرض، ذات الخط القويم بالفقه والعلم، من روّادها حفظة القرآن، لا نكاد نسمع لها همسا! ولولا تواصلها المباشر مع المجتمع واختلاط شيوخها وروّادها مع سواد الأمّة، لما عرفناها ولا عرفنا الزاوية إلا بشكلها الأول القبيح.

تشويه المعلم الديني في الجزائر.. ضياع الأصل

ونحن في حديثنا عن تشويه المعلم الديني في الجزائر، ينبغي التركيز أن الموضوع ليس ترفا فكريا أو مقالة فلسفية عن فكرة مجردة نظرية، بل هو حديث عن واقع وفعل وراءه فكرة ومنهج وعقيدة. ولسنا هنا بصدد التأصيل لنظرية المؤامرة، إنما الواقع ومآلات الأحداث توجهنا إلى نتائج خطيرة ووخيمة.
فنحن نرى الفوضى العارمة التي تشهدها مساجدنا الممزقة بين المذاهب والمناهج والمدارس، ونعيش التناقض الرهيب بين القول والفعل عند مدعي الالتزام، ونعاني من فوضى اللباس والمظهر الذي كان لوقت ليس بالبعيد فاصلا وفارقا بين الملتزم وغير الملتزم حتى صرنا نرى أقمصة بصلبان النصارى! وبين كل هذا، نرى تصاعد الدعوات لتجاوز الخطاب الديني لأنه يعاني من كل ما ذكرناه، وتعويضه بخطاب علماني بحجة أنه الجامع والمحايد خلافا للخطاب الديني. وإذا كانت هذه الدعوات في جزء منها استغلالا للواقع، لكنها أيضا مرحلة سبقتها تمهيدات وتوطئات.
هذا التشويه للخطاب الديني هو نتيجة حتمية لمقدمات نحن كلنا مسؤولون عنها. فتجاوزنا للمعلم الديني في تربية أولادنا وتوجيه شبابنا وتقويم أنفسنا جعلنا ننساه أو نتناساه. حتى إذا رأينا اعوجاجا أو خللا، استوردنا معلما دينيا من هته البلاد أو تلك، كل على هواه، فصارت الفوضى، وضاع المعلم الأصيل للبلد.