عن الإمام الرئيس

بحثت مليا عن مؤلفات العلاّمة عبد الحميد بن باديس فلم أجد الكمّ الذي انتظرته لمن نسمّيه بالعلّامة ورائد الصّحوة الإصلاحية في الجزائر.. فأين الخلل ياترى؟ وهل هناك خلل في الأمر؟
الحقيقة أنّ قدر الرّجال لا يقاس بكمّ ما ألّفوا بل بعظمة ما تركوا، ولكي تقف على عظمة الإرث الذي تركه عبد الحميد بن باديس، تجوّل في ربوع هذا الوطن القارّة من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، وابحث في سير أعلام الجزائر من عهد الإصلاح إلى اليوم وارجع لي القول ماذا ترى.
لقد اشتغل الإمام في عقود حياته القصيرة وأفناها في تكوين الرّجال وبناء العقول وتأليف الكفاءات حول فكرة الإسلام في أرض الجزائر بعد أن كادت تزول بين إدماج وتغريب وفناء. والأمر على بساطته وسذاجته في عقول العامة، لم يكن بالمهمّة اليسيرة أو الرّحلة الممتعة! ففي زمن لم يكن فيه من وسائل التّواصل الإجتماعي إلى صوت القبيلة والعائلة والشّيخ أو أحاديث المقاهي، ولم يكن المال إلا في جيوب القلّة القليلة من الأثرياء، وكلّ هذا تحت الوصاية الغاشمة لآلة حربية وأمنية بغيضة قاتلة حاقدة، جعلت الشّعب ممزّقا بين صعلوك يجري خلف فتات يقتات به، وطُرُقيّ متخفّ بزيّ من القداسة عن واجبات الجهاد والدّفاع، وثريّ متربح من آلام الشّعب، وقلّة قليلة واعية بالأزمة المصيريّة الحضاريّة للّلغة العربية والإسلام في أرض الجزائر. من رحم هذا الظلام الحالك، انبعثت ثلّة من العلماء العاملين فأخرجوا العلم من أركان الزوايا وتكرار الصبيان إلى عمل عظيم جبّار حَوَّل الهزيمة العسكرية أمام فرنسا إلى انبعاث حضاري وثقافيّ لهذه الأمة، رجال يجولون الأرض شرقا وغربا ينشرون العقيدة الصحيحة والشّريعة المحمّديّة تحت نير المطاردة والإيذاء والوعيد، مدارس تُفتتح في كل مدينة وحاضرة، مطبعة خاصّة تتحمل عبء العمل الوطني، جرائد ومجلات بعثت مجد الأمة وأعادت ربط القافلة بالمسار الصحيح، مسار الأمة المحمدية. وتشاء هذه الثلّة من العلماء أن تُقدّم الإمام عبد الحميد بن باديس رئيسا فيتصدى للمهمة ويبقى مُلهما وعَلَما تدور حوله كل مشاريع الإصلاح إلى يومنا الحاضر.
لقد حقّ لمن نسّق وجمع شتات علماء البلد وأخرج العلم من الصّحائف والرّفوف والحصائر إلى الشارع والمقهى ودور الثّقافة ومطابخ السّياسة فأحيا به عقيدة البلد ولغتها.. حقّ له أن يكون رائد النّهضة العلميّة وشيخ الإصلاح في الجزائر.

تشويه المعلم الديني في الجزائر.. طالب العلم

من المضحكات المبكيات عند حديثنا عن معالم الشخصية الجزائرية، تصورنا لطالب العلم الشرعي.. هذا الطالب الذي كان فيما مضى مسافرا منقطعا عن بلده ومسقط رأسه ليتفرغ لطلب العلم في الجامع الكبير في أقرب حاضرة.. وقد كان هذا الطالب ملاذ المجتمع في أمور دينه ودنياه، وهو مثال الصلاح والاستقامة والرزانة والحكمة..
أما في أيامنا هذه، فقد تحولت صورة طالب العلم الشرعي إلى صورة العراف الكاهن كاتب الأحراز والتمائم، أو القارئ المأجور الذي يبيع حفظه لكتاب الله بدراهم معدودة أو لُقيمات من الكسكس واللحم واللبن.. تحولت صورة طالب العلم إلى حلقات القراءة على الموتى، والأربعينيات والسنويات..
هذه هي صورة طالب العلم الذي جعلت الناس تلجأ إلى علماء المشرق وتتنكر لعلماء البلد.. وترفض كل ما يأتي منهم.. بحجة أنهم لا علم لهم، وأن علمهم لبطونهم وجيوبهم.. إنها صورة أُريد لها أن تطبع المعلم الديني في أفراده حتى يضيع ويتيه أهل البلد ويبحثوا عن البديل خارجه.. ثم يُقال بعد ذلك: إن هذا الدين دخيل علينا!

المطبعة الإسلامية الجزائرية.. عن موقع الشيخ عبد الحميد بن باديس

عمل الشّيخ ابن باديس على توفير أقصى ما أمكنه من شروط نجاحه واستمراريته، لمعرفته بالمصاعب والعقبات التي تقف في سبيل الصحف الوطنية والإصلاحية. هذا ما جعله يؤسس مطبعة خاصة يوم 16أفريل 1925م، باسم “المطبعة الجزائرية الإسلامية”، رفقة “أحمد إسماعيل بوشمال” الذي قدم له خدمة جليلة، حيث تبرع بمحله التجاري ليكون مقر للمطبعة، وهو الكائن بنهج عبد الحميد بن باديس بحي الأربعين شريفا (33 شارع Alexis Lambert، حذو محكمة القسم الأول سابقا).
كما شاركه تأسيس المطبعة ابن القشي خليل بن محمد الذي كان مديرا لها، وكان ممن يتقن فن الطباعة بحكم خبرته وعمله في مطبعة جريدة النّجاح، وكان يساعده في الطباعة كل من إسماعيل صحراوي وعبد الحفيظ صويلح (الجنان). وكانت المطبعة تقوم بمختلف أنواع الطباعة إلى جانب طبعها للشّهاب وحده في الأولى وللشّهاب والبصائر في مرحلة ثانية.