العربية واللاتينية ؟!

من سَقَطَات المتربّصين بالعربيّة والإسلام في بلادنا دفاعهم عن اللّهجة العاميّة بحجّة أنّها لغة الشّعب في مقابل نخبويّة اللّغة العربيّة، وبحجّة أنّ الشّعوب الأوروبيّة لم تتحرّر من تخلّفها إلاّ بعد أن طَلَّقَت اللّاتينية لصالح لغاتها القوميّة؟! وفي هذا لمزٌ للإسلام والدّين، لأنّه وفي زعمهم، أنّ طلاق اللّاتينيّة لم يتأتّى إلاّ بترجمة الإنجيل إلى اللّغات القطرية وفصل الدّين المسيحيّ عن الحياة العامّة. والحقيقة في الأمر أنّ هذا قمّة التّهافت والانحطاط الفكري لأنّ قياس الّلغة العربيّة على اللّاتينيّة ليس قياسا مع الفارق بل ليس بقياس أصلا!!

  1. ذلك أن اللّغة العربيّة ليست ولم تكن يوما لغة نخبويّة، فالفاتحون المسلمون (وهم ليسوا عربا بالأصل، فهم في أغلبهم عرب عاربة أو مستعربة أو ليسوا عربا أصلا) الذين عبروا باللّغة إلى بلاد الإسلام لم يبخلوا بنقل تعاليم الإسلام باللّغة العربيّة للكبير والصّغير وعِليَة القوم وعامّتهم بعيدا عن كلّ إقصائيّة أو انتقائيّة.
  2. كذلك الّلغة العربيّة لم تَمْحُ اللّغات القطريّة التّي عايشت اللّغة العربيّة في تناغم بعيدا عن التّنافسيّة الوجوديّة التّي نشأت بين اللّاتينيّة واللّغات القطريّة في أوروبّا. والأمثلة على هذا لا تعدّ ولا تحصى: الفارسيّة والتّركيّة والأمازيغيّة والأورديّة والمالاويّة وغيرها كثير في كلّ بلدان العالم الإسلامي.
  3. إنّ اللّهجات العربيّة ليست لغات قطرية، فالعامّيّة العربيّة في الجزائر ليست لغة قائمة بذاتها، وأيّ محاولة لرفعها في مصافّ اللّغة لن تكون إلاّ كمحاولة جعل اللّباس وقماشه وخيطه بديلا عن الجسد الذي يلبسه! فهل ينطق اللّباس أو يعقل أو يُحَرِّكُ شيئا؟؟ فاللّهجة العاميّة ما هي إلاّ مفردات عربيّة في مجملها وبعض المفردات الدّخيلة نتيجة التّاريخ بأسلوب لسانيّ في مجمله عربيّ أنتجه انحطاط حضارتنا وبعد مجتمعنا عن الثّقافة والفكر ممّا جعله يستثقل غنى الأسلوب والتعبير ويُحِيل مكانه استعمالا للّغة هو أقرب ما يكون إلى بتر لغة عالية غنيّة ثريّة واختزالها في بعض الأساليب وقلّة قليلة من المفردات. فهل هذا الاختزال لّلغة لغة قائمة بذاتها؟
فهل بعد كل هذا نقيس اللّاتينية المستعلية على الشّعب بالعربيّة التي احتضنتها الشعوب وأبقتها حيّة بعد أن ماتت كلّ قريناتها؟