خير جمعية أخرجت للناس.. في ذكرى التأسيس

يقول أستاذنا محمّد الهادي الحسني عن جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين أنّها خير جمعيّة أخرجت للنّاس، ولعمري قوله سديد وإن كان البعض يرى فيه إطراءا للجمعيّة بما ليس فيها. وأرى أنّ وصفه للجمعيّة هو وصف كامل ودقيق.
بداية الكلام أنّ جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين قامت على الخيريّة التّي أقرّها الله تبارك وتعالى للأمّة المحمدية، فهي آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر مومنة بالله ناشرة للإيمان حامية له في ربوع الجزائر المحروسة. فلا جرم أن مقوّمات هذه الخيريّة تنسحب على الجمعيّة وعلى كلّ جمعيّة أخرى تقوم على ما قامت عليه.
وبرجوعنا إلى تاريخنا المعاصر نجد أن الجمعيّة جسّدت وبامتياز ضمير الأمّة ولسان حال أصالتها في وجه الاحتلال البغيض، وخاصّة الأوجه الخفيّة منه. فإذا كانت العسكرة ومصادرة الأراضي وقتل النّاس وتشريد الأهالي ظاهرٌ جرمه للعيان واستعدى بنادق الشّعب وخناجره وقاومه الشّرفاء الأحرار حتى الشّهادة، فإن للاحتلال أوجها خفيّة دسّت السّموم في العسل وكدّرت صفو الماء النّقي الزّلال. فنجده قد بذر بذور العصبيّات العرقيّة والقبليّة والمذهبيّة بأنّ أظهر أنّه يرفع جهة دون جهة وعرقا دون آخر، وقرّب إليه بعض الخونة من هذا الفريق أو ذاك موهما النّاس أنّ كل الفريق معه، واشترى ذمم بعض شيوخ الزّور والزّيف ليصوّروا للنّاس أن فرنسا من قضاء الله ولايسخط على قضاء الله إلا كافر! وفي خضمّ التّجويع والتّرهيب والتّنكيل، ضعفت منابر الحقّ وأُخرصت حناجر العلم.. من هنا انبرت جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين فوحّدت الكفاءات المتناثرة عبر ربوع الوطن وجمعت أصوات الحقّ في شُعب وفُروع ونواد، فتعاظم صداها وتعالت حجّتها وقلبت الكفّة إلى صوت الحق وطريق العلم وأنارت سبل الأصالة أمام شعب كاد الاحتلال أن يسلبه لغته ودينه بعد أن سلبه أرضه وماله.. وما هي إلا سنوات حتى أدرك الشّعب من جديد أن فرنسا من قضاء الله، ولكن صوت الرّصاص في أعالي الجبال تحت صيحة الله أكبر هو أيضا من قضاء الله.. ففرّ الشّعب من قضاء إلى قضاء فرارا فيه فخر المقاومة وشرف الجهاد وعز النّصر وغنيمة الشّهادة..
أدام الله جمعيّة العلماء على نهج الأوّلين ورزقها الله نصر المتقدمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق